تاريخ أخر تحديث
25/09/2022, 12:00:53
شرح احكام العقود المسماه في القانون المدني / البيع والايجار
الاستاذ الدكتور عباس العبودي
تعد العقود المسماة من أكثر العقود شيوعاً وتداولاً بين الأفراد في تعاملهم. وقد جرى اصطلاح الفقه المدني على إطلاق اسم العقود المسماة على كل عقد خصه المشرع باسم معين، ونظم أحكامه بنصوص خاصة بالذات، كعقد البيع والإيجار والمقاولة والوكالة. ويبرر تدخل المشرع في تنظيم هذه العقود تنظيماً مفصلاً بما لها من أهمية بالغة في مختلف ميادين التعامل والنشاط الاقتصادي؛ فتنظيم المشرع لهذه العقود يسهل على المتعاقدين إبرامها بتحديد عناصرها الجوهرية والالتزامات المترتبة عليها بقواعد مكملة تنفي عن هذا التدخل الإخلال بمبدأ سلطان الإرادة. وبهذا التنظيم يزيل المشرع الشك حول ما غمض من أحكامها. من جانب آخر، تنظيم المشرع للعقود المسماة يسمح له بالخروج على القواعد العامة في نظرية العقد ليراعي خصوصية هذه العقود، ويسهل على القاضي الوصول إلى القواعد الدقيقة التي تنظم الموضوع المعروض أمامه. أما العقود غير المسماة فيراد بها تلك العقود التي لم يطلق عليها المشرع اسماً خاصاً تعرف به، ولم يتول تنظيمها بأحكام خاصة بها، حتى ولو كان لها اسم دارج بين الناس، كعقد النشر وعقد الإقامة في الفندق وغيرها من العقود، التي يستطيع الطرفان المتعاقدان إبرامها وفق الأحكام العامة لنظرية العقد. ويرى جانب من الفقه أن العقود غير المسماة سميت بذلك لندرة تداولها وقلة شيوعها بين الناس في تعاملهم، غير أن هذا الرأي محل نظر؛ لأنه لا ينسجم مع الواقع العملي لهذه العقود، ذلك أن الكثير منها استقرت أوضاعه وأصبح له أسماء يعرف بها في التداول بين الأفراد في تعاملهم (كعقد النشر وعقود توريد المياه والكهرباء). كما أن المشرع قد يختص بعض العقود بأسماء معينة رغم وجود عقود غير مسماة أخرى قد تكون أكثر شيوعاً في التعامل بين الأفراد من بعض العقود المسماة . ويترتب على ارتباط تحديد العقود المسماة بإرادة المشرع أن تكون هذه العقود واردة على سبيل الحصر، أما العقود غير المسماة فلا تقع تحت حصر، ذلك أن التطورات المتزايدة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية تفرض على الأفراد (في كثير من الأحيان) أن يبرموا عقوداً غير تلك التي وردت أسماؤها ونظمت في بعض القوانين على سبيل الحصر. إلا أن الصفة الحصرية للعقود المسماة لا تعني أن هذه العقود محددة بعدد معين لا يقبل الزيادة والنقصان؛ بل المقصود أنها محصورة بما نظمه المشرع من العقود تنظيماً خاصاً، وللمشرع أن يزيد على هذه القائمة وفقاً لحاجات المجتمع. وتقسيم العقود إلى مسماة وغير مسماة كان له أهمية خاصة في القانون الروماني، ففي هذا القانون كانت العقود المسماة هي العقود المعترف بها قانوناً والمحمية بدعاوى خاصة. أما العقود غير المسماة فهي تلك العقود التي تخرج عن دائرة العقود المسماة ولا تكون محمية قانوناً بدعاوى خاصة إلا إذا قام أحد المتعاقدين بتنفيذ ما التزم به تجاه الطرف الآخر. كما لم يعرف العرب قبل الإسلام تقسيم العقود إلى مسماة وغير مسماة، وإنما كانوا يتعاملون بعقود المعاوضات المختلفة من بيع وسَلّمْ وصرف واستصناع وإجارة ورهن وكفالة وحوالة. وكانت لهذه المعاملات المالية أحكام تأخذ صفة الإلزام من العرف، وعندما جاء الإسلام أقر العرب على قسم كبير مما كانوا يتعاملون به وأبطل القسم الآخر. كذلك لم يضع فقهاء الشريعة الإسلامية تقسيما للعقود في ذاتها؛ فقد ورد في كتب الفقه الإسلامي تنظيم لخمسة وعشرين عقدا، خصص لكل منها بابا مستقلا موسوما بالاسم الذي وصف به في القرآن أو السنة أو جرى عليه العرف. إلا أن هذا المسلك لا يعني أن هذه العقود واردة على سبيل الحصر؛ بل نظم الفقهاء جميع العقود التي لا تخالف مقاصد الشريعة الإسلامية، ولم يخرج على هذا الاجتهاد إلا المذهب الظاهري الذي يرى أن الأصل في العقود المنع ولا يباح إلا ما ورد نص بإباحته. أما في القوانين الحديثة فتبرز أهمية تقسيم العقود إلى مسماة وغير مسماة بشكل خاص في مجال تحديد الأحكام التي تسري على العقود المسماة وتفسير هذه العقود؛ فقاعدة الخاص يقيد العام تقتضي أن يطبق على العقود المسماة النصوص الخاصة التي اقرها وافردها المشرع لها، فإذا لم يكن هناك أحكام خاصة تنظم المسألة المعروضة فيجب عندئذ تطبيق القواعد القانونية المتعلقة بأحكام النظرية العامة للعقد. أما العقود غير المسماة فيطبق عليها نوع واحد من القواعد القانونية المتمثلة بالقواعد العامة لنظرية العقد والتي تسري على جميع العقود المسماة وغير المسماة. وقد كرست المادة (89) من القانون المدني الأردني هذا المبدأ صراحة عندما نصت على أن "1- تسري على العقود، المسماة منها وغير المسماة، القواعد العامة التي يشتمل عليها هذا الفصل. 2- أما القواعد التي ينفرد بها بعض العقود المدنية فتقررها الأحكام الواردة في الفصول المعقودة لها. وتقرر قوانين التجارة القواعد الخاصة بالعقود التجارية". وهكذا فإن تحديد النظام القانوني واجب التطبيق على عقد ما يعتمد على تكييف هذا العقد. والتكييف عملية قانونية يقصد بها إعطاء الوصف السليم التي يتفق مع ماهيته ومع النتيجة التي ارتضاها المتعاقدان أثرا له، وبغض النظر عن الوصف الذي أسبغاه عليه، إذ لا عبرة للألفاظ التي يستخدمها المتعاقدان إذا اتضح أنهما اتفقا على عقد غير العقد الذي أطلقا عليه اسما لا ينسجم مع ماهيته. وبذلك يكون التكييف عملا قانونيا اجتهاديا، تتولى المحكمة القيام به من تلقاء نفسها؛ فهو من صميم عملها، ولا يتوقف على موافقة الخصوم. ولكن يخضع القاضي في عمله هذا لرقابة محكمة التمييز، فالقاضي لا يتقيد بتكييف العقد المتنازع عليه بالوصف الذي أطلقه المتعاقدان عليه، وإنما عليه أن يصحح هذا الوصف من تلقاء نفسه، ويعطيه الوصف القانوني الصحيح؛ ليحدد بالتالي النصوص القانونية واجبة التطبيق. وقد رتب القانون المدني الأردني العقود المسماة التي أعطاها هذا الوصف ترتيباً منطقياً تسهل متابعته في غير عناء؛ إذ راعى في ترتيبها أن يقف عند الموضوع أو المحل الذي يرد عليه العقد، متأثراً بذلك بالترتيب الذي أخذ به القانون المدني المصري والقانون المدني العراقي، فجمع في الباب الأول من الكتاب الثاني العقود التي تقع على الملكية (عقود التمليك) وتشمل: البيع والهبة والشركة والقرض والصلح. وفي الباب الثاني العقود التي ترد على الانتفاع بالشيء (عقود المنفعة) وتشمل: الإجارة والإعارة. وفي الباب الثالث العقود التي ترد على العمل (عقد العمل) فنظم المقاولة والعمل والوكالة والإيداع والحراسة. وخصص الباب الرابع للعقود الاحتمالية (عقود الغرر) وتشمل الرهان والمقامرة والمرتب مدى الحياة وعقد التأمين. وأفرد الباب الخامس لعقود التوثيقات الشخصية وهما الكفالة والحوالة. ولتعذر تدريس جميع العقود المسماة خلال فصل دراسي واحد، فقد اقتصرت الدراسة على عقدي البيع والإيجار؛ بوصفهما من أكثر العقود شيوعاً في التعامل بين الأفراد، واقتضت خطة الدراسة توزيعها على البابين الآتيين: الباب الأول: عقد البيع في القانون المدني. الباب الثاني: عقد الإيجار في القانون المدني وقانون المالكين والمستأجرين.